رحلةٌ الى الموتْ ..
ــــــــــــــــــــــــــــ
- لم يبقَ الى القليل – قالت سُعاد – وضحكتها تملأُ قلب ياسين ..
- فنظر بأعجوبةٍ – قائلاً - لم يبقَ إلا أنتي .. !
( ياسين كان يدرس في كلية العلوم التطبيقية ، قسم التمريض ، وانتهى من الجامعة دون أن يجدَ عملاً ..
لكن سعاد بنت العشرين عاماً ، تدرس في جامعة الأزهر ، قسم الهندسة ، وهي من عائلة لا تعرف شكل قرص الفلافل .. )
- ياسين ؛ غداً سأحدِّثُ أمي عنكً – قالت سعاد –
سأقولُ لها أنني وهبتُ حياتي لكَ ، فأنتَ تستحقُ الكثير ..
- تبسمَّ خجلاً وحزناً ذاك الشاب المهزوم ، وهو يضع يده في جيبه المكتظ ببعض الشواقل ..
- وقالَ لها : أجل ؛ غداً يا حبيبتي ...
اصطحبها الى اول الطريق المؤدي الى البيت ، وذهب هو في حال سبيله ..
لكنه رغماً عنه بَصَقَ في وجهِ القدر ، متعباً ..
لم يَدْرِ أن هذا أول المشوار وليس آخرهِ ..
- سُعاد تلهو في أحلامها ، تدخل غرفتها ، تجلسُ على الكرسي وتعزف أغنية النهاية دون أن تدري ، تنتظر مجيء أمها من السفر ، لكي تخبرها عن حنينها الفائض ..
- بعد ساعاتٍ ، تغرب الشمس ...
ويبدأ ياسين بممارسة أقسى طقوس الألم ، يجلسُ على سريرهِ اللاهث ، يُرتبُ قصاصات شعرهِ المنثور ، ينظر الى أمهِ العاجزة عن مبادلةِ النظر ، وأباهُ الذي رحلَ ولم يَعُدْ ..
- كيف سأخبرها غداً ؟؟ - تمتم ياسين –
هل أنا مخطئٌ ، أم أن الواقعَ أحمق ..
جلسَ على ركبتيهِ ، ووضع يده على كرسيْ أمه ..
- أعلمُ ما ستقولهُ يا ولدي – قالت الأم –
ولكننا فقراء ، والفقرُ سيدُ هذا البيت ، ونحنُ لا نطغى عليه ..
- أمي ؛ لعلَ هناك حلاً ما ..
لا يا بني ، اذهب واقرأ ما كتبه أباك لك .. ربما تقتنع ،.
فنحن خلقنا لا لكي نحب ، بل لننظر الى قلوبنا وهي تحترق ،
يا بُني هذا هو الحال ..
- ظل صامتا ، ولم يستطع الحديث ، فهو يعلم انه لا يعلم أن الحقيقة هي النهاية لا محال ..
في اليوم التالي .. أخبرت سُعاد أمها بخرافاتِ قلبها الهَشْ .. وهي تعلم أنها لا تعلم أن الحقيقة هي النهاية لا محال ..
- قالت الأم : كُفي عن الغباء ..
هذا ياسين ، وأمهُ علياء ، وأبوهُ كان خادماً لنا ..
هل جُننتي !
- نعم جُننت - قالت سعاد -
فالجنونُ أجمل وأرقى من كبريائك الأعمى
- أنا ياسين ، وياسين هو سعاد .. لن يفرقنا سوى ...
في هذه اللحظة كان ياسين واقفاً أمام بيت سعاد ، مشتعلا بالأسى ..
- وصرخَ منهكاً : لا لن نكون معاً ..
كُفِي عن الهَراء ، أين أنتي وأين أنا !؟
سُعاد / ما لا تعرفينه أنني مُصابٌ بداءِ الموت .. !
جميلتي : لن نكونَ معاً ..
فالموتُ أجملُ من فقري وأحلامي ،
صُعقت عينانِ سُعاد من شدةِ البكاء ، ولم تَـعُـدْ ترى سِوى ياسين والموت الجميلُ يركضُ من الخلفِ حاملاً آمالهُ والكفنُ المبللُ بالندى ..
- قال ياسين وهو في ثمالةِ مرضهِ المُنتقى ..
حمداً لله ، حلمتُ طوالَ تلك السنين أن أموتَ أمام قاتلتي ، والآن هذا الحلم يكبرُ ، وهذا القلب يصغر ، والطريقُ مزدحمٌ بالذكريات ..
سعادتي : أنا وأنتي في الموتِ أجملْ .
كوني للنسانِ أوفى ، فأنا سأرحل ولكن البنضُ باقٍ ..
سألقاكِ هناك ، بعد قليل من الوقت .. فالمصير واحد ،
وأنتِ مرضي المُشتهى ، وحتماً سنلتقي ،
كوني جميلةً كما أنتي ، أجملُ من الفقر العبوس ،
كوني مرآة أحلامي وقصتي التي لا تنتهي
وحتى ان بقيتُ حياً ؛ لن نُغـيّـرََ الواقع ، فالفقرُ مؤلمٌ جداً ، والمرضُ هذا أرحمُ بكثير ..
ففي كلتا الحالتين ، لن نكونَ معاً الا في موتنا المشتهى ..
- قالت سعاد - لم يبقَ الا القليل ..
- فردَّ الموتْ - لم يبقَ الا أنتي .. !
________
( وليد الصيفي )
8 / 11 / 2014